1
عندما كنت أعاني من البرد والجوع
(نعم .. لقد عانيتُ
أيُزعجكم ذلك؟)
كانت الحياة عذبةً
وأرَقي خِصْباً
كلَّ ليلة
كنت أفكر بالآخرين
(بالمستضعفين
أيزعجكم ذلك؟)
وكل صباحٍ
كانت تأتي لزيارتي
شمسٌ أخوية
وتضع على وسادتي
قطعتين أو ثلاثا من السُّكر.
2
بحاجة إلى مهلة
تجُودونَ بها عليَّ
لأفتح نافذةً
وأُطلّ على زمنٍ لمْ أزُرْهُ بعْدُ
على جزيرة الجسد الفاتن
وهي تهبُني ذاتها بكُلّ جوارحها.
سأدفع بتلك النّافذة الزرقاءِ
سأفعل ذلك بسرعة
قبل أن تُغلق
ولن أبوح بما أراهُ
ما سأشعر به سيلتحق بالسّرِّ.
لو أنكم فقط تمنحونني هذه المُهلةَ
سأجعلكم متعطشين للّغْز.
3
يبتكرُ الشّاعرُ وردةً
لكنه لا يعرف أي لون يعطيها
ماهو لون السرِّ؟
دفْءٌ في تجويف الأذن؟
وجهٌ مشعٌّ لأبٍ
انتزعه الموت العذابُ؟
تجاعيدٌ وليدة في خاصرة الحبيبة؟
لا شيءَ من هذا يحدِّد لونا.
سيبقى ابتكار شاعرنا إذنْ
ناقصا.
4
كان لديَّ ينبوعٌ
وكنت ضنينا على نفسي بمائه
كنت أومن حتى العظم بالمشاركة
ولمْ أشكَّ قطُّ بإخلاصِ ينبوعي
حتى ذلك اليومِ
حيث أعرض عنِّي
مُغدقا طيِّباته على الآخرين.
هل علينا أن نستنفد ما نحبُّ
لنحتفظ به؟
5
على ما يبدو
أن باب الجحيم
يُجاور باب الفردوس
صنعهما النجار الأكبر
من الخشب العادي نفسه.
الرّسام الأعظمُ
طلاهما دون إتقان
بلون واحد.
كيف نميز بينهما
في هذه الظلمات؟
ألديك المفاتيح؟
أي منها المناسب؟
لكن
لم تخاطر بفتح
ما لا يُفضي
رُبما
سوى إلى العدم؟
6
كنت أتوقُ إلى سكينة الرُّوح
أنتظر منكم يا شياطين الكلمة
مقاطع ترتخي بدَعَةٍ
رؤىً صافيةً
صوتا مبحُوحًا بحبُورٍ
سعادات صغيرة
لا عليك .. خذْ منها ما تشاء.
سكينة الروح لم تُقْبِل
ليس هذا ذنبكم
يا شياطين الكلمة
مرة أخرى التَبَسَ عليَّ عمري.
أيُدهِشكم ذلك؟
7
في الليل
ما يشابه البلاد
يغيب عن نفسه
يُبْرزُ فكّيْه
ليَتَلَقَّفَ صورا كبْريتيَّة
لمجرَّات موعودة.
إنه يشربُ.. يأكلُ.. ويَسْتَمْنِي
على نفقة الأميرة
وعندما
في الفجر
ينادي المؤذن إلى الصَّلاة
فإنه يبدأ بالشخير
تماما كأي زنديق.
8
أُسْدلُ السَّتائر
لأدخنى كما يروق لي
أُسْدلُ السَّتائرَ
لأشرب قدحا
نخب أبي نوّاس
أُسْدلُ السَّتائر
لأقرأ آخر كتاب لرُشدي
وقريبا .. من يدري؟
ربما سيتوجَّب عليَّ أن أنزل إلى القَبْو
أن أغلق عليَّ الباب بإِحْكَامٍ
لأتمكَّنَ من التفكير
كما يروق لي.
9
الحراس في كل مكان
يسيطرون على المزابل
على الكراجات
وصناديق البريد.
الحراس في كل مكان
في الزجاجات الفارغة
تحت اللسان
خلف المرايا.
الحراس في كل مكان
ما بين اللَّحم والظِّفْر
ما بين الأنف والوردة
ما بين العين والنظرة.
الحراس في كل مكان
في الغبار الذي نبتلعه
في اللقمة التي نتقيّؤُها.
الحراس في كل مكان
بهذه الوتيرة
سيأتي يومٌ
نصبح فيه جميعا شعبا من الحراس.
10
ماذا ترى في الأسود؟
تأمل جيدا
اعتبر الأسود
لونا
كالأصفر أو الليْلكيّ
تخيل أن يد فنان
بسطته
ثم غادرت اللَّوحة
توحّدْ مع حركتها
والآن
هل تُدرك
أن الأسود
هو الذي يتأمل فيك.
11
الدوار يأخذ مكانه
الفوضى تدفع بأمواجها
السَّديمُ ذو ألوانٍ
وعين واحدة.
العشاق يلهثون
في فراش من الطِّين والقيظ
تفاحةٌ لا تتوقف عن السقوط
أعطي اسمٌ للماء
ثم للنار
الخلق يتردَّدُ
ما بين السِّلاح المُطلق
وأجملِ حملٍ في العالم
من يستطيع
أن يتكهن التتمة؟
12
لماذا يخبِط الحصان برأسه
باب حظيرته المفتوح؟
وتعلِّق رفيقتُك:
«يريد فقط أن نُغلق الباب»
تفسيرٌ لم يعترض أحد عليه
الآن
تُعيد طرح السُّؤال على نفسك:
لماذا يخبط الحصان برأسه
باب حظيرته المفتوح؟
لا تملك أيَّ جواب
غير أنك تكتشفُ
برُعْب
أنه كان لديك دائماً
رأس حصان.
من ديوان شجون الدار البيضاء (دار توبقال. الدار البيضاء. 1998)
ترجمة عائشة أرناؤوط