حِيَلُ الحي

هذا الطريق الوجيز
أمامي
يقرّبني من الليل
الخالصِ
الحقيقيِّ
الذي لا مناص منه
أُبطئ السير
أتظاهر
بتأمُّلِ المشهد
يا لها من حيلة !

أُقِرّ بذلك
ولا أُقرّ
ما أصعب التوقّف
وقد استأنستُ المسير
والنور قد أعلن أخيراً
عن زيارته
لا ليقف عند رأس السرير
بل لينحني
على مهد الكينونة

مؤونتي من هذا الضوء
أحملها إلى فَمِ
الطفولةِ
المراهَقةِ
الرُّشدِ
أحتفظُ باليسير منها
لتلك اللحظة
التي تمتدّ فيها
أرقُّ يدٍ رفيقة
لإغماض العينين
المفتوحتين ببلاهة

إياك أن تلتفت
إلى الخلف !
ليس هناك ليلٌ
تصعب مواجهتُه
ليس هناك ظلماتٌ
بدون خطِّ أفق

الرحيل
لن يكون أولَ تمزُّقٍ
ولا أول فضيحة
أهو حقاً
المنفى الأخير؟

أقول لنفسي
كُنْ مُتبصّراً
سأُحضّرُ إذن في الوقت المناسب
حقيبتي المتواضعة
سأضع فيها كتاباً أو اثنين
رقمَ اعتقالي
المنديل الأصفر لنَبِيّةِ أيامي
قارورةً من طيوب فاس
قشرة نارنج
حصاةً
التقطتُها من القدس
وما تكون الحبيبة
قد دسّتهُ فيها
دون علمي

آهٍ لو أن السكينةَ
هي التي ستكون بالانتظار
قد يصبح الرحيلُ نعمة

أستدير نحوكَ
أيها الخوف السحيق
فوق وجهكَ الأملس
أكتشفُ ما يشبه ظلاً
للابتسامة العصيّةِ على الفهم
التي طالما رافقَتْني
تتصلَّب قسَماتُكَ
بقدر ما أنفذ إلى كنهكِ
فيخفّ رَوْعي

مهما يكن
الاستمرار هو الأهم
علينا ألاّ نَنْسى
الخمائل التي تتحلّى بتلك الفضيلة
الكواكب غير المستكشَفة
التي تبحر بمشقّة فوق أمواج الأبدية
أن نَحمِي شعلةَ الشمعة الصغيرة
بقصائدنا العارية
أن نتحمل نار دموعِها
ونعرف كيف نمررها في الوقت المناسب
إلى مَن يأتي بعدنا

أن تحترق من الداخل
أو فوق مِحرقة
هو القربان نفسه
وإن كانت هنالك محض أسئلة
واختبار بالنار

النهايةُ ، البدايةُ
في قلبِ البشَر
ذلك الموطنُ الحُر
حيث لن نعودَ بحاجةٍ
للدلالة على أنفسِنا
إلاّ إلى اسمٍ واحد
حيث سيُسمَعُ صوتنا الواهي
في المجرات
وحيث سيكون للوعد
نبْرةُ القسَم

لنَسْرِعْ !
الحياةُ لا تنتظر

حتى لو كنا أبرياء
من دم القريب
يحدث أن نَقتلَ
الحياةَ فينا
أكثر من مرة

الحجاب
الذي يغطي عيونَنا
والقلبَ
المتاريسُ
التي ننصبها
حول الجسد المريب
الشَّفرة الباردة
التي نُقابِل بها الرغبةَ
الكلماتُ
التي نشتريها ونبيعها
في سوق الكذب المزدهر
الرؤى
التي نخنقُها في المهد
الجنونُ المُقدّس
الذي نحتجزه خلف القضبان
الذعرُ
الذي تبثُّهُ فينا البِدَعُ
الصّممُ
المرفوعُ إلى رتبةِ فنٍّ مستهلَك
ديانةُ اللامبالاة
المُقتسَمة إلى أبعد حدّ

رسُلٌ كثيرون
سيطرقون بابنا من جديد
هل سيوجَد أحدٌ
في البيت؟

أخبروني
تُرى نحو أي عدم
يجري نهرُ الحياة
ومتى استحممتُمْ فيه
آخرَ مرة؟

من ديوان اكتبْ الحياة (الأعمال الشعرية. دار ورد للنشر. دمشق. 2010)
ترجمة روز مخلوف